مراقبة تدفق الآبار وزيادة الإنتاج

كيف يمكن أن تسهم مراقبة التدفق في تعزيز إنتاجية الآبار.


  • يمكن لعداد أرامكو لقياس التدفق الذي يعمل على ترددات المايكروويف الرنانة بمساعدة الذكاء الاصطناعي تقديم بيانات في الزمن الآني تتحلّى بدقة أكبر مقارنة بأي وقت مضى.
  • تمكن باحثون من مركز «إكسبك» بالتعاون مع زملاء من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست» خلال سبع سنوات من البحث من تطوير عدّاد قياس جديد مُتعدّد الأطوار يعمل بموجات المايكروويف الرنانة، ليكون قادرًا على توفير مراقبة آنية لنسبة المياه في البئر ومعدل تدفقها.
  • يُستخدم العدّاد المُطوّر نموذج ذكاء اصطناعي ذي توأمة رقمية للتنبؤ بالتدفق في الأنبوب ومقارنته بالقياسات
  • يُمثل الابتكار برهانًا عمليًا على الإمكانات غير المحدودة لاستخدام التقنيات المُبتكرة للمساعدة في تجاوز التحديات الحالية والمستجدة في قطاع النفط والغاز.

ريتشارد جراي |

منذ ملايين السنين، تحتجز صخور المكامن الزيت والغاز والماء تحت سطح الأرض. وتتسم صخور المكامن التقليدية بالمسامية والنفاذية العالية، فيما تفتقد صخور الطبقة العلوية ذلك، مما يحافظ على بقاء المواد الهيدروكربونية في مكانها.

وبمجرد العثور على هذه المكامن والحَفر في صخورها لبدء استخراج الزيت والغاز، يخرج معهما الماء إلى السطح أيضًا. فيخرج الزيت والغاز والماء من البئر في عملية تُسمى التدفق مُتعدّد الأطوار، إذ يشمل ذلك الطور السائل الثنائي المكوّن من الزيت والماء، والطور الغازي.


الخيار المناسب

ويُمكن أن يتسبب خروج كمية كبيرة من الماء من البئر في التآكل والتقشر وغيرها من الأضرار في المُعَدًّات وخطوط الأنابيب. ومعالجة هذه المياه على النحو الصحيح وتصريفها بأمان عملية مكلّفة للغاية. وما يزيد الأمور تعقيدًا هو حقيقة أن نسبة الماء المُنتج مقارنة بالحجم الإجمالي للسوائل المُنتجة، يُمكن أن تتغيّر فجأة ودون سابق إنذار.

ولضمان عمل البئر بكفاءة في هذه الحالة، يجب مراقبة التدفق مُتعدّد الأطوار باستمرار. ويُنفّذ ذلك باستخدام أداة تُعرف باسم عداد قياس التدفق متعدد الأطوار، الذي يُساعد المهندسين على تقييم إنتاجية البئر، ومن ثمّ يسمح بالاستفادة القصوى من الإنتاج لتحسين إدارة المكامن.

وقد يستدعي ذلك حقن الماء أو البخار للمحافظة على إنتاجية المكمن الناضب، أو حفر آبار مصاحبة لاستهداف تجاويف نفط إضافية. وفي بعض الحالات، سيتبيّن من بيانات تدفق السوائل عدم وجود جدوى تجارية من استمرار العمل في بئر معينة. ويعود ذلك إلى عدم كفاية المواد الهيدروكربونية المستخرجة لتبرير تكلفة الأعمال.

ومعرفة هذا الأمر في أسرع وقت ممكن، قد يؤدي إلى توفير جهود ومبالغ مالية هائلة، لذا من المهم جدًا امتلاك أداة القياس الملائمة. وتستفيد أرامكو من خبراتها وبنيتها التحتية في الاستثمار التقني وشبكتها العالمية من مراكز الأبحاث لتصميم وتطوير أداة أكثر كفاءة.


المعلومات في وقتها

وهناك العديد من طرق قياس التدفق، ومعظمها ينطوي على تمرير إشارة إلى أداة للاستشعار أثناء تدفق التيار، وتحليل النتائج بعد ذلك. تقيس بعض هذه الطرق مدى سرعة انتقال الصوت عبر التدفق، بينما تعتمد طرقٌ أخرى على إصدار الإشعاعات وتحديد مقدار الطاقة التي يمتصها التيّار.

ومن الصعب اتخاذ قرارات صائبة دون قياس دقيق للتدفق في الزمن الآني. وكان قطاع النفط والغاز يعتمد لعدة عقود على عدّادات قياس للتدفق مُتعدّد الأطوار تُعاني من نقاط ضعف عديدة. فعلى سبيل المثال، لم تكن بعض هذه العدادات تستطيع توفير قياسات دقيقة في حالة ارتفاع تدفقات المياه والغاز، فيما كان بعضها الآخر يتأثر بالتغيّرات في ملوحة السوائل أو درجة حرارتها. بل إن أيًّا من هذه العدادات لم يكن بوسعه العمل في جميع الظروف الميدانية، مما يعني الحاجة إلى تغيير الإعدادات، أو استبدال العدّادات بأكملها، في كل حقل أو مجموعة من الآبار. لذلك، فإن إيجاد حل تقني يُمكنه تفادي معظم أوجه القصور ويُسفر عن فائدة كبيرة.


موجات المايكروويف

عادة مايكون قياس التدفق باستخدام موجات المايكروويف خيارًا محدودًا، وذلك لأنه لا يكون دقيقًا إلّا ضمن نطاق ضيّق من ظروف التشغيل، وبمستويات مُحدّدة من السائل أو الغاز مثلًا، كما يجب إعادة معايرة عداد القياس مع تغيّر الأوضاع.

لكن الباحثين من مركز «إكسبك» للأبحاث المتقدمة التابع لمركز التنقيب وهندسة البترول تعاونوا مع زملاء من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، فاستطاعوا خلال سبع سنوات، تطوير عدّاد قياس جديد مُتعدد الأطوار يعمل بموجات المايكروويف الرنّانة، ليكون قادرًا على توفير مراقبة آنية لنسبة المياه في البئر ومعدل تدفقها.

يستخدم هذا العدّاد نموذج ذكاء اصطناعي ذي توأمة رقمية للتنبؤ بالتدفق في الأنبوب ومقارنته بالقياسات، ممّا يمكن عداد القياس من ضبط نفسه تلقائيًا ليتناسب مع مجموعة واسعة من ظروف التشغيل، ليحدّ ذلك من الحاجة إلى إعادة معايرته بشكل كبير.

ويعني استخدام موجات المايكروويف أن العداد غير مشع، مِمّا يُقلل من درجة التعقيد التقني وإجراءات السلامة المطلوبة في المواقع التي تستخدم الجهاز. كما أن هذا العدّاد لا يحتاج إلى إقحامه في التيار لقياس التدفق، فلا يستدعي استخدامه ثقب الأنابيب، حيث تمر موجات المايكروويف عبر السوائل التي بداخل القسم غير المعدني من الأنبوب. وبهذا يُمكن استخدامه على أنابيب ذات أحجام واتجاهات مختلفة، دون الحاجة إلى إدخاله فيها. وعلى عكس بعض العدادات، التي لا يُمكن تركيبها إلّا في اتجاه علوي فقط، يُمكن لهذا الجهاز القياس بدقة في أي اتجاه.

العداد الجديد لقياس التدفق بواسطة موجات المايكروويف أثناء اختباره في الميدان.
أداة فاعلة لمراقبة تدفقات الزيت والماء والغاز

الثورة الصناعية الرابعة

وكان استخدام تقنياتٍ مثل التوأمة الرقمية ليس إلّا جانبًا من جوانب استفادة العدّاد الجديد من الخبرات في تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية وسلسلة الكتل وإنترنت الأشياء. كما يستخدم العدّاد أجزاء مصنعة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد، التي هي أخف وزنًا وأقل تكلفة في الإنتاج من الأجزاء التقليدية.

ويمكن لدقة العدّاد المحسنة وتكلفته المنخفضة إلى تحسين إنتاجية الآبار بشكلٍ كبير، كما قد تُساعد أيضًا في الحد من انبعاثاتها الكربونية، وذلك لأن المنشأة التي تُنتج كمية كبيرة من المياه سيتعينّ عليها استخدام طاقة إضافية للتخلص منها. ويمثِّل استخدام العدّاد بديلًا منخفض الكربون لاختبار الآبار اليدوي المحمول، الذي يتطلب الاستعانة بشاحناتٍ مليئة بالمُعَدًّات ووجود طاقم تشغيل كبير في الموقع على مدار السنة.


حل تجاري

خضع التصميم الجديد للاختبار في منشآت أرامكو البحثية في هيوستن في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي منشأة تجارية هناك لاختبار دورة التدفق في الأنابيب، وكذلك من قبل مهندسي أرامكو الميدانيين في المملكة. وقد جُربت النسخة الأولى من عداد القياس ثلاثي الأطوار في أبريل 2022م، ومن المتوقّع اختبار نموذج أولي في الحقول عام 2023م. وقام فريق المشروع بالفعل بتأسيس شركة، بدعم من أرامكو، لتطوير العدّاد إلى مُنتج تجاري.

وتتوافق هذه التقنية مع البنية التحتية لتقنية الثورة الصناعية الرابعة في أرامكو، إذ تستفيد من القدرات التي طوّرها الباحثون في الشركة، وتستخدمها لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات القائمة منذ فترة طويلة، كما تُسهم في رقمنة قطاع الطاقة. وإلى جانب استكشاف الإمكانات التجارية لعدّاد قياس التدفق متعدد الأطوار، تمّ ترخيص هذه التقنية لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لتعمل على استكشاف فوائد توظيفها ضمن مجالات أخرى.


التقنية لمستقبل أفضل

يتمتع عدّاد قياس التدفق مُتعدّد الأطوار الذي يعمل على ترددات المايكروويف الرنّانة بإمكاناتٍ كبيرة تُمكنه من لعب دور رئيس في تعزيز الإنتاج وتحسين إدارة المكامن، مِمّا يُساعد على العمل بكفاءة أكبر، والاستمرار في تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية. وهو برهان عملي على الإمكانات غير المحدودة لاستخدام التقنيات المبتكرة للمساعدة في تجاوز التحديات الحالية والمُستَجدة في قطاع النفط والغاز.